شبكة نوى، فلسطينيات: في نهاية العام 2016، عقدت وزارة الحكم المحلي لقاءات جمعت ممثلي القوائم والكتل الانتخابية مع ممثلي مؤسسات أهلية متنوعة، قامت خلالها بتقديم مشروعها بشأن تعديل النظام الانتخابي في المجالس المحلية. التعديل المطروح يستهدف تجاوز نظام التمثيل النسبي الكامل المُعتمد والدعوة إلى تبني نظام انتخابي آخر يعتمد القائمة النسبية المفتوحة.
وعليه، أبدى معظم ممثلي الكتل اعتراضاتهم على نظام الصوت الواحد، وحذروا من سلبياته وطالبوا بتأجيل البحث والحوار حوله؛ باعتبار أن القضية المركزية في حينه تتمحور حول تذليل العقبات التي أدت إلى تأجيل الانتخابات وضرورة إجرائها بأسرع وقت، في الوقت الذي قامت المؤسسات النسوية بالتحفظ على محاولة تعديل النظام الانتخابي معتبرة أن القائمة المفتوحة ليست حليفة للمرأة، سواء من حالفها النجاح أو المرأة التي لم يحالفها.
العودة الآن إلى طرح التعديل يخرج عن الأسس التي تم التوافق عليها لتناسب الحالة الفلسطينية، فالمفهوم والسبب الذي دفع النظام السياسي إلى تعديل النظام الانتخابي جاء بعد خوض انتخابات الحكم المحلي لأكثر من مئة وعشرين مجلساً محلياً جرت على مرحلتين في العام 2004، لَمَسَ خلالها أصحاب القرار المثالب التي سجلتها تجربة النظام الفردي، نظام الأغلبية والأقلية، بما أفضى إلى تبني نظام القائمة النسبية المغلقة.
وللتذكير، قيلَ في تلك الآونة: إن كفاءة النظام الانتحابي تظهر في قدرته على تحويل الأصوات الانتخابية إلى مقاعد، وإن النظام ينبغي عليه مراعاة الخصوصية الفلسطينية المميزة بالتعددية السياسية والاجتماعية وتمثيله لمختلف الشرائح والمصالح، كما تتحدد بكيفية قدرة النظام على ربط علاقة المواطن بالبرنامج الانتخابي، وليس العلاقة النفعية التي تربط بين الناخب مع المرشح. وقيل وكُتب أكثر من ذلك، بأن طبيعة النظام الانتخابي لها تأثير على تعزيز الحكم الديمقراطي في المدى البعيد، فالديمقراطية ليست انتخابات ونتائج فقط.
ما الذي يدفع وزارة الحكم المحلي إلى استمرار الضغط ومحاولات الإقناع من أجل تغيير النظام الانتخابي في قانون انتخاب الهيئات المحلية، ومحاولاتها الحثيثة رغم ضرورة التمسك بمبدأ انسجام الأنظمة الانتخابية ووحدتها. لقد نص القرار بقانون رقم 9 للعام 2007 حول اعتماد النظام النسبي والدائرة الواحدة على مستوى الوطن في قانون انتخابات المجلس التشريعي، كما اعتمدت اتفاقية القاهرة مبدأ التمثيل النسبي الكامل في قانون انتخابات المجلس الوطني..؟ فلماذا الذهاب إلى استثناء قانون الانتخابات المحلية من المبدأ الذي قامت عليه باقي قوانين الانتخابات؟!
لا أنكر على الوزارة حقها في اقتراح القانون الذي تعتقده مناسباً بما فيها معالجة العيوب الناتجة عن التجربة على أرض الواقع، والوزارة اجتهدت ولها نصيب واحد. لقد شهدت الوزارة على قضية لجوء بعض الأحزاب الرئيسية إلى ترشيح أكثر من قائمة بسبب عدم التوافق على الترتيب، خاصة الاتفاق على رئيس القائمة الذي يؤشر على ترؤس البلدية، ما أدى إلى سخونة التنافس للحد الذي أوصل إلى مأزق معروف تمخض عن خيار تأجيل الانتخابات برمتها في العام 2012. اجتهدت الوزارة لمعالجة مأزق خاص بفصيل فكان الحل من وجهة نظرها تبني القائمة المفتوحة، بغض النظر عن إلحاقه الضرر بمصالح أحزاب موجودة أو قطاعات تجد مصلحتها بالنظام النسبي الذي يوصل الجميع إلى الهيئات المحلية بحجمه الواقعي على الأرض، لا أكثر ولا أقل.
وفق النظام المقترح يمتلك المواطن صوتين، يعطي أحدهما للقائمة بما يحدد بالنتيجة عدد المقاعد الفائزة، بينما يعطي صوته الثاني إلى أحد المرشحين في القائمة. بمعنى أن النظام قد أعطى مسؤولية ترتيب القائمة للناخب وأحال مسؤولية تحديد الرئيس إلى الناخب.
قد يبدو أن التعديل يساعد في القضاء على الصراع الذي يخيّم على عملية تشكيل وترتيب القائمة قبل تقديمها إلى لجنة الانتخابات المركزية، لكنه في الحقيقة يؤجل الصراع لما بعد التشكيل وفور بدء الدعاية الانتخابية، حيث يبدأ بعض المرشحين على الغالب بالدعاية لأنفسهم أكثر من القائمة، لذلك تنتفي عن النظام خدمته لتوحيد وتماسك القائمة الانتخابية، نظام القائمة يضع الصراع بجانبها ولا يتجنبه. البديل للتدافع على منصب رئيس الهيئة المحلية يتم حله عن طريق إجراء القوى السياسية الانتخابات التمهيدية الداخلية، «البرايمريز».
أما من المنظور النسوي، فالقائمة المفتوحة لا تمت بصلة القرابة للمرأة، بل يحط من قدرها سواء كانت من المرشحات اللواتي لم يحالفهن الحظ أم مرشحة حالفها الحظ بالنجاح. فالناخب عندما يتم تخييره بين إعطاء صوته الوحيد لعضو واحد من القائمة فالغالب سيذهب إلى منح صوته إلى أحد المرشحين بسبب الثقافة السائدة والخيارات الأبوية. وعليه، ستحظى المرأة بعدد قليل من الأصوات، سيكون المجتمع أمام فروق هائلة بين عدد الأصوات التي سيحظى بها الناجحون عموماً، خاصة المتصلة بأصوات الناجحات، ما يكرس ثقافة وجود المرأة الاحتياطي والاستكمالي في الفضاء العام، ويعزز وجودها الديكوري، سيوجه رسالة بعدم مشروعية عضويتها. سيجد المجتمع أن مِن بعض مَن لم يحالفهم النجاح قد حصلوا على أصوات فردية أكبر مما حصلت عليه الفائزات، بفعل «الكوتا» التي تحمي وجودهن، لكن الثقافة التي تبثها في الاتجاه المعاكس للمنشود. هل هذا ما تريده وزارة الحكم المحلي!
لنضع نقطة في نهاية سطر القائمة المفتوحة.
ما ينبغي التركيز عليه حالياً، وضع تغيير النظام الانتخابي جانباً، والتوجه نحو عكس التعديلات التي توافق عليها المجتمع. التوجه نحو إجراء الانتخابات المحلية في موعدها المحدد (أيار 2021)، استيعاب التعديلات القاضية بتخفيض سن المرشح إلى ثلاثة وعشرين عاماً، استيعاب قانون الحصة المقرة للمرأة بواقع 30% من المجلسَين الوطني والمركزي.
