غزة:
خبرٌ نزل ثقيلًا على قلب "رزان عباس" التي كانت لتوّها تسأل زوجها عن موعد تسليم الحِرَفي لـ"سرير طفلها" الذي اقترب مولِدُه.
إعلان وجود إصاباتٍ بفايروس "كورونا" داخل قطاع غزة، من بين غير المستضافين في مراكز الحجر مساء الاثنين الماضي، نسف كافة مخططاتها لاستقبال طفلها البكر؛ وحظر التجول الذي فُرض في لحظتها، جعلها تغرق في دوامة تفكيرٍ عميقة: كيف سأجلب ملابسه التي جهّزتها له أمي من بيت أهلي؟ كيف سأضع طفلي بأمان في مستشفياتٍ أُعلن عن إصابة طواقم تعمل بداخلها؟ ماذا لو أُصبتُ أنا في آخر أيام حملي، هل سيصاب هو بأذى؟
من سعادةٍ إلى قلق تحوّلت حالة السيدة ذات الـ (25 عامًا) بعد سماعها النشرة، لا سيما وأن حالتها الصحية طوال فترة حملها لم تكن مستقرة، بدءًا من تناول العلاجات لتثبيت الحمل مرورًا بضع الدم.
رزان:الطبيب المختص حدد لي موعدًا للولادة في مستشفى الشفاء الطبي، لكن وبسبب الوضع الراهن، سأضطر للولادة بالمستشفيات الخاصة
تقول: "الطبيب المختص حدد لي موعدًا للولادة في مستشفى الشفاء الطبي، لكن وبسبب الوضع الراهن، سأضطر للولادة بالمستشفيات الخاصة"، وهو ما يشكل –وفقًا لها- عبءً اقتصاديًا إضافيًا على زوجها الذي يعمل بنظام المياومة.
زوجها، وبعد انقلاب الأمر رأسًا على عقب خلال لحظات، بدأ يفكر فورًا بالحلول البديلة، فاضطر لإخراج سريره الحديدي القديم الذي كانت تخبئهُ أمه، فغسله وعقمه جيدًا "فمن يدري لعلَّ المولود يزور البيت في أي وقت" يعلق.
بدأت السيدة بتجهيز حقيبة ولادتها، فوضعت فيها بعض الملابس التي اشتراها زوجها للمولود –ولا تكفي بطبيعة الحال لطفلٍ جديد- كما طلبت منه محادثة الطبيب للحجر في مستشفى خاص رغم تكلفته العالية، فقط "كي يرتاح قلبها".
أما نظيرتها شيماء بدرة ذات (22عامًا) فأنهت منذ مدة تجهيزات استقبال مولودتها الأولى، لكنها كانت تنوي شراء بعض الحاجيات ختامًا لمرحلة الحمل، لولا أن "كورونا" كانت صاحبة الكلمة الأخيرة.
شيماء: أكاد أطير من فرط السعادة كون لقائي بطفلتي اقترب، رغم القلق الذي كان يراودني أحيانًا لأنها الولادة الأولى، أما الآن فأنا أواجه قلقًا إضافيًا
تقول: "منذ أن بدأت تاسع شهور الحمل، وأنا أكاد أطير من فرط السعادة كون لقائي بطفلتي اقترب، رغم القلق الذي كان يراودني أحيانًا لأنها الولادة الأولى، أما الآن فأنا أواجه قلقًا إضافيًا، وهو الإصابة بفايروس "كورونا" خلال الولادة نفسها".
تشير السيدة إلى أن مناعة المرأة الحامل ضعيفة، وكذلك مناعة المواليد الصغار، لذلك ومنذ الاثنين الماضي، تتابع الأخبار ساعة بساعة علها تجد خبرًا مفرحًا يعلن انحسار الفايروس.
الدعم النفسي الذي تتلقاه بدرة من عائلتها وزوجها، هو ما يجعلها تشعر بحالةٍ أفضل، ويضعها على طريق اليقين بأنها ستجتاز وطفلتها تلك المرحلة بأمان، وتقول: "التزمت بالحجر المنزلي، وإجراءات الوقاية التي أعلنت عنها وزارة الصحة من قبل، واتفقتُ مع طبيبي على الاتصال به مباشرةً في حال شعرتُ بأيٍ من الأعراض".
من جانبها، علقت شيرين هشام على أخبار "كورونا" بعبارةٍ مختصرة قالتها بعد أن ضحكت بتهكم: "الحمل مع كورونا غير".
شيرين :مناعتي الضعيفة شكلت بالنسبة لي سببًا منطقيًا للخوف في ظل انتشار الفايروس
تقول السيدة لمراسلة "نوى": "خلال فترة حملي بأبنائي الأربعة السابقين، لم أكن أشعر بقلقٍ مماثل، أما اليوم فمناعتي الضعيفة شكلت بالنسبة لي سببًا منطقيًا للخوف في ظل انتشار الفايروس، لا سيما وأن أعراض الإصابة به تشبه إلى حد كبير أعراض الإنفلونزا العادية".
هذا اضطر المرأة إلى مباشرة أخذ الفيتامينات المضادة للأنفلونزا، واستعمال المعقمات بشكلٍ مستمر، وبالتحديد مع الحاجيات التي تُجلب من الخارج، يقاطع زوجها الحديث فيقول: "لم أتوقع أصلًا أن تصل بحملها إلى الشهر الخامس، كدنا نفقد الطفل مرتين".
ورغم حالة المزاح والضحك التي يختلقُها الرجل داخل المنزل، إلا أنه يخشى حدوث أمرٍ مفاجئ، قد يضطره وزوجته إلى زيارة الطبيب "غير الممكنة حاليًا، خاصةً مع الحجر الإجباري"، مشيرًا إلى أنه وبمساعدة ابنته الكبرى يقوم بأعمال المنزل، والطهي، ومتابعة دراسة أطفاله الثلاثة، خشية عودة الدراسة إلكترونيًا.
وتبعًا لحالة القلق التي اعترت معظم النساء الحوامل في قطاع غزة، بعد الإعلان عن أول إصابةٍ، قررت أخصائية النساء والتوليد، ولاء الحاج، إطلاق مبادرة لمساعدة النساء الحوامل "اللاتي على وشك الولادة"، فخصصت رقمًا للاتصال السريع، ولرسائل "واتساب" ليتكمن الجميع من التواصل معها طلبًا للاستشارة.
تقول: "كطبيبة أتبع لوزارة الصحة، قررت القيام بهذه المبادرة لتقليل الاحتكاك، ومساندة أصحاب الدخول البسيطة"، ففي الوضع الاقتصادي الراهن –والحديث للحاج- قد لا يتمكن المرضى من دفع المواصلات حتى للوصول إلى المشفى "وهو الأمر الذي يتطلب دعمهم نفسيًا على الأقل" تضيف.
وتشير الحاج إلى أنها تستقبل أكثر من مئة حالة في اليوم الواحد، وتقدم المشورة الطبية بالمجان، مرفقةً مع العلاج المناسب في حال كانت الأعراض طبيعية، "أما إذا كانت الشكوى غير واضحة، أو صعبة العلاج بالتواصل عن بعد، فنطلب من الحالة التوجه لأقرب مركز صحي إن أمكن" تردف.
وتكمل: "والحوامل اللاتي يأخذون علاجًا كالإبر، فأنصحهم بالتوجه إلى أقرب صيدلية، أو إلى أحد أقاربهم من الطاقم الطبي"، معبرةً عن سعادةٍ غامرة، شعرت بها بعد أن لاقت مبادرتها صدىً واسعًا دفع العديد من زملائها وزميلاتها من أبناء التخصصات المختلفة، إلى إطلاق مبادراتٍ شبيهة كلًا حسبب تخصصه.
وتنصح الحاج النساء الحوامل، في حال لم يعانوا من أعراض خطيرة كعدم تحرك الجنين لفترة طويلة، أو نزول الدم، أو أولئك اللواتي على وشك الولادة، أن يبقوا في منازلهم طالما لم تتمكن منهم أعراض الطلق، "فالمراكز الصحية التي خصصتها وزارة الصحة، ووكالة غوث وتشغل اللاجئين "أنروا"، مهيئة بالكامل لاستقبال حالات الولادة، وإجراء العمليات الجراحية (القيصرية) أيضًا، كمستشفى الأمل، والعودة، وأصدقاء المريض، وغيرها من المشافي التي حددتها الوزارة ضمن بيانٍ نشرته قبل أيام.
وكانت "أونروا"، أصدرت بيانًا تنصح فيه السيدات الحوامل المتابِعات في عيادات الوكالة "في حال شعرن بآلام الولادة، بالتوجه مباشرة إلى المستشفيات المتعاقدة مع الوكالة (مستشفى العودة - مستشفى الخدمة العامة - المستشفى الأهلي - مستشفى القدس - مستشفى الأمل - المستشفى الكويتي) مع ضرورة أخذ كتيّب الحمل الخاص بهن".
ونوهت "أنروا" في بيانها إلى ضرورة توجه السيدات المصنفات بـ "حمل خطر"، لأمراض كضغط الدم العالي، أو سكر الحمل غير المنتظم، أو أولئك اللاتي تم إبلاغهن مسبقًا بضرورة الولادة داخل المستشفيات الحكومية، إلى تلك المستشفيات، وهو الأمر الذي أكدت على أهميته د.ليلى المشارفة مدير قسم الولادة بمجمع الشفاء الطبي، عبر مشاركتها نشر البيان.