انتهت جولة العدوان على قطاع غزة بعد 48 ساعة تقريباً، مثل سابقاتها مخلفةً حصيلة كبيرة من الشهداء-34 شهيداً- قتلوا بفعل سلاح الجو الإسرائيلي الذي أغار على أهداف مدنية. غير أن المعطيات الميدانية تشير إلى أن الهدوء القائم الآن مشوب بالحذر في ظل عدم وجود ضمانات حقيقية لعدم تجدد الاشتباك.
أرادت إسرائيل القيام بعملية محدودة في غزة وبنتائج واضحة دون أية مضاعفات، وهي اغتيال (بهاء أبو العطا) القيادي البارز في سرايا القدس-الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي- وهو نائم على فراشه وبين أفراد أسرته فجر الثلاثاء الماضي، ومن ثم العودة مجدداً إلى مربع الهدوء.. وهذا لم يتحقق فعلياً، إذ يتنافى تماماً مع عقيدة قوى المقاومة في غزة وحقها في الدفاع عن نفسها، وخصوصا الجهاد الإسلامي بصفتها ولي الدم.
رد سرايا القدس على اغتيال أبو العطا وزوجته- وهو أحد أعضاء المجلس العسكري والمسؤول عن المنطقة الشمالية- بإطلاق صليات من الصواريخ المحلية استمر حتى صباح اليوم الخميس. في المقابل، إسرائيل لم تتوقف عن الاغتيالات واستهداف المدنيين والمناطق المأهولة، وترويع الآمنين، وهذا كان الأكثر قلقاً بالنسبة للسكان.
يصف الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، رد سرايا القدس بأنه بمثابة "تشيع للشهيد أبو العطا"، وأنه كان سيستمر ما لم توافق إسرائيل على الشروط التي تضعها حركته لوقف إطلاق النار.
قال النخالة في حديث له الليلة على قناة الميادين، إنه أبلغ الوسيط المصري، بأنه ما لم توافق اسرائيل على، الشروط الثلاثة: وقف الاغتيالات في داخل قطاع غزة والضفة الغربية، ووقف إطلاق النار على المدنيين العزل في مسيرات العودة، والالتزام بتفاهمات القاهرة 2014 المتعلقة بكسر الحصار، فإن "المعركة" ستبقى مفتوحة.
كان واضحاً من حديث النخالة، إن سقف التوافق بين حركته والفصائل الفلسطينية الأخرى على إدارة المواجهة محدود جداً، "سرايا القدس تقوم بالمهمة الأساسية والرئيسية في مواجهة العدوان، وتطلق الصواريخ على العدو وهي تدير قواعد الاشتباك مع العدو منفردة"، كما قال.
قول الأمين العام للجهاد الإسلامي الذي جاء بين التلميح والتصريح بالإنفراد في الاشتباك، تُرجم بواقعية على الأرض، إذ أن حركة حماس التي تدير قطاع غزة، لم يشارك جهاز العسكري-كتائب القسام- في إدارة المواجهة ضد اسرائيل، وهذا ليس خافياً. ربما لأن استحقاقات المواجهة بالنسبة لـ"حماس" تختلف كثيراً عن حسابات الجهاد الإسلامي، فالأخيرة تقف في محور الممانعة بشكل واضح هذا في المقام الأول، وفي المقام الثاني هي ليست جزءا من منظومة الحكم التي تدير قطاع غزة.
النخالة ألمح إلى ذلك ضمناً في سياقين منفصلين، إذ قال في مقام إن حركته جزء من محور الممانعة، وفي مقام آخر "إن ادخال الأموال عبر مطار بن غوريون هي اغراءات هدفها احتواء المقاومة في غزة، وإذا ضربنا الصواريخ فإننا سنخسر الأموال القطرية وغيرها".
من ناحية واقعية، لم يكن لحماس ولغيرها من الفصائل أن تجبر "سرايا القدس" بالتوقف عن مواجهة إسرائيل، ليس حفظاً لماء الوجه فقط في ظل تزايد اعداد الضحايا من المدنيين، ولكن لاعتبارات أخرى مختلفة، من بينها أنها (أي السرايا) ولي الدم بالنسبة لعدد من قياداتها الميدانيين وعناصرها الذين جرى اغتيالهم خلال اليومين الماضيين، إلى جانب أنها تقدمت بشروط ذات حدود معقولة ومشروعة من المنظور الوطني، لوقف هذا العدوان.
كانت تشير المعطيات إلى أن انتقال حماس من مربع التصريحات والنزول إلى خندق المقاومة مع الجهاد الإسلامي، يمكن أن يخلق واقعاً أكثر سخونة وتعقيداً، وهذا ما لا تطمح إليه في هذا التوقيت الذي تبحث فيه عن حلول سياسية "للتخفيف عن غزة"، كما ألمح مقربون منها.
في ذات التوقيت، كان واضحاً أن إسرائيل تسير على حبل مشدود، فهي حريصة على ألا تنضم حماس إلى القتال، كما يقول الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي هدي زيلبرمان، مشيرا إلى أن الجيش الإسرائيلي حريص على إبقاء هذه الحركة التي تحكم غزة منذ عام 2007، خارج النزاع من خلال تجنب مهاجمة مواقعها ومحاولة الحد من الأضرار الجانبية، بحيث لا تجبر حماس على الرد.
نحن هنا لسنا في صدد تضخيم حماس وقدرتها، وتفضيلها على غيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية. ولكن يبدو جلياً أن إسرائيل لديها أيضا حساباتها، فهي أرادت كما أسلفنا "عملية نظيفة" تغتال فيها القيادي "أبو العطا"، وتعود إلى حالة الهدوء.
ولكن وبشكل موازي، عانت إسرائيل نتيجة تعطل الدراسة في مناطق واسعة من الأراض المحتلة بدأت من محيط تل ابيب والمدن المحيطة بها وحتى الحدود مع قطاع غزة، ما يعني أن اكثر من مليون طالب وطالبة التزموا بيوتهم بمن فيهم طلاب الجامعات، فضلا عن الشلل الذي أصاب الحالة الاقتصادية الناجمة عن توقف حركة القطارات.
هذه الحسابات الدقيقة والحساسة، عقدت من عملية قراءة أو تصور مستقبل هذا العدوان على الأقل خلال الأيام القادمة، وبخاصة أنه لم يسجل لأي من الأطراف انتصاراً على حساب الآخر، وهذا يعني ضمنياً أن المسألة لم تحسم بعد.
وعليه، فإن سؤالاً مهماً يشغل بال الفلسطينيين في هذا التوقيت؛ ما ضمانة عدم تجدد الاشتباك؟.