امضى السائق محمد مهدي، أكثر من عشرِ ساعات في البحث عن زجاج لشباك سيارته الأيسر، تنقل خلالها بين أكوام من الخردوات وقطع الغيار البالية، وعشرات التجار.
وتشبه عملية البحث عن قطع غيار للسيارات القديمة أحياناً، البحث عن إبرة في كومة قش، والمعضلة تكمن بشكل أساسي في انقراض بعض الموديلات القديمة، واختفاء آثارها.
يقول السائق مهدي وهو في أواخر العقد الرابع، إنه كان مضطر لممارسة عملية بحث مضنية من أجل جلب شباك زجاجي لسيارته ذات اللون الكحلي، والتي يشوبها الكثير من الخدوش والعلل وقد تجاوز عمرها ثلاثين عاماً.
وعلى الرغم من الأعطال التي تعتري طريق هذه السياراة وهي من طراز (Audi)، إلا أن "مهدي" متمسك بها، فهي تشكل مصدر دخله الوحيد، حيث فضل العمل كسائق أجرة بعد أن أنهى تعليمه في كلية التجارة، على الانضم إلى قافلة البطالة.
يشير سائق الـ(Audi) إلى أنه يواجه الكثير من الأعطال، بعضها يمكنه التغاضي عنه مثل جهاز الراديو، والبعض الآخر يضطر لإصلاحه كالأضواء الأمامية على سبيل المثال، غير أنه يشكي من معضلة شح قطع الغيار الأصلية سواء المستخدمة أو الجديدة، بفعل بدء تلاشي هذا الطراز من السوق المحلي.
ومن الواضح أن الحداثة لم تقض على تجارة السيارات البالية في قطاع غزة، إذ تحتل السيارات القديمة التي تجاوز عمرها العشرين عاماً، حيزاً كبيراً في الشوارع والطرقات، بشكل يوازي تقريباً حجم امتلاك السيارات الحديثة.
ويعود التمسك بهذه السيارات، إلى أمر أساسي متعلق بتدني مستوى دخل الأفراد، والعجز وعدم القدرة على امتلاك سيارات حديثة، وفق إفادة مُلاكها، وتجار أيضاً.
وليس من السهل أن يتخلى التاجر محمد حسنين من سكان مدينة غزة، عن تجارة قطع غيار السيارات البالية، فهي بالنسبة له تحقق له عائداً مناسباً مقارنة بتجارة قطع غيار السيارات الحديثة.
يقول حسنين: "صحيح أن بعض القطع أحيانا يصعب توفرها بحكم انقراض الموديل، لكن هذا لا ينفي عن أن هناك طلب دائم على قطع غيار السيارات القديمة، وبخاصة أن الكثير من السائقين يعتمدون عليها كمصدر للدخل".
ولفت التاجر إلى أن ثمن قطع غيار السيارات المتهالكة، يعتبر زهيداً مقارنة بقطع غيار السيارات الحديثة.
ولا يوجد في القانون الفلسطيني نصاً يمنع هذه الفئة من السيارات من السير على الطرقات، إذ أن قانون المرور رقم (5) سنة 2000، ينص على أنه لا يجوز لأحد اتلاف سيارة طالما حالتها تسمح لها بالسير على الطرقات.
ووفق آخر احصائية صدرت عن وزارة المواصلات بغزة، قبل ثلاثة أعوام، فإن قرابة 70 ألف مركبة من جميع الأنواع في قطاع غزة، وهذا العدد يشمل المركبات المرخصة وغير المرخصة.
وتشير تقديرات تجار إلى أنه يوجد في قطاع غزة ما بين (30-40) ألف سيارة متهالكة بحاجة إلى إعدام، غير أن قرار اعدامها يمكن أن يؤثر على قوت الكثير من الأسر.
يقول تاجر السيارات محمد المصري، إن سوق السيارات المستخدمة ينشط بقوة هذه الأيام، وذلك بفعل الظروف الاقتصادية المتردية، والتي دفعت بكم كبير من المتعطلين عن العمل لاقتناء سيارات متهالكة من أجل العمل كسائقي أجرة، طمعاً في توفير مصدر دخل.
ولفت المصري، إلى أن تجارة السيارات الحديثة تشهد انخفاضا ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، وذلك بسبب انخفاض مستوى الرواتب، وارتفاع نسبتي الفقر والبطالة، الأمر الذي تسبب في حرمان فئة كبيرة من المشترين من اقتناء السيارات الحديثة، فضلا عن عجز آخرين عن الإيفاء بقيمة الاقساط المستحقة على كاهلهم.
ويوجد في قطاع غزة سوق وحيد لبيع السيارات، يفتح أبوابه يومي السبت والثلاثاء من كل أسبوع جنوب مدينة غزة، غير أنه توجد مئات المعارض في مختلف محافظات القطاع، فضلا عن عدد من صفحات بيع السيارات على موقع فيسبوك.