شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م09:30 بتوقيت القدس

في آذار تفوقت رام الله رغم سقف الحريات الواطي!

04 ابريل 2017 - 14:28
شبكة نوى، فلسطينيات:

اتابع منذ سنوات بدقة وحذر تقارير انتهاكات الحريات في الضفة والقطاع، مرتكزة على التقارير الدورية لمركز مدى، ليس فقط لأنها من صميم عملي، بل لأن الحريات بمفهومها الواسع قضية شخصية أتبناها للحفاظ على غد مهدد، ومستقبل يهدده الاحتلال والانقسام والظلم!

كانت تدهشني ردة فعل المجتمع الصحفي في الضفة والقطاع حين أؤكد أن "عدد الانتهاكات" المرتكبة بأيدي الأجهزة الفلسطينية في الضفة أعلى منها في القطاع، بالكاد يصدقون لأن الانطباع السائد أن حماس- الحركة التي تنفرد بحكم غزة على قاعدة أيديولوجية حزبية- لن تحترم الحريات أكثر من حكومة من تكنوقراط ومدافعين "سابقين"، عن مجتمع مدني تعددي!

الأرقام وحدها ليست كافية لتفسير الواقع وتحليله، ولكن في زمن "ترقيم" الِاشياء لا بد من بعض الاستدلال بهذه الأرقام، وبلغة الأرقام- وحسب مركز مدى- سجل العام 2015، 192 انتهاكاً بأيدي الأجهزة الفلسطينية ، نصيب غزة 40% من مجموعها، وفي عام 2016، تم رصد 134 انتهاكاً، نصيب عزة كان 35% من مجموعها (في العامين المذكورين انتهاكات الاحتلال أعلى بالطبع).
لن أقول أن غزة تتفوق بأن حجم الاعتداءات أقل، فلا تفوق في تسجيل انتهاك واحد لأي من الطرفين، ومن المهم التأكيد أن أي انتهاك للحريات مرفوض بغض النظر عن الجهة التي ترتكبه والتبريرات التي تسوقها!

شهر آذار 2017، سجل حالة فريدة من تصاعد الانتهاكات في الضفة والقطاع، وبرأيي هذا الشهر تحديدا ليس بحاجة لتقديم أرقام أحاكم عبرها الطرفين، آذار سجل ما هو أهم من رصد الحالات، لرصد التعاطي مع قضايا رأي عام، وقضايا تمس الأمن مباشرة، ولهذا أراه مختلفاً.

في آذار، شهدت حالة غير مسبوقة من إصرار الصحافيين ونقابتهم أن الاعتداء على الصحافيين أمام مجمع المحاكم برام الله، لن تمر كسابقاتها، تضامن نقابة المحامين ومؤسسات حقوق سجلت أيضاً حالة جديدة من تحالف تأخر كثيراً، ولكنه حضر!
حالة الاستهجان الشعبي والتضامن مع المعتدى عليهم من محتجين وصحافيين، أسست بذاتها مشهداً جديداً لخروج آلاف المحتجين ليس فقط على الاعتداءات بل لتسجيل رأي في "التنسيق الأمني ومحاكمة شهيد"، لتسجل رام الله انتصارها الأول، بعدم الاعتداء على المظاهرة، وبحالة اختلاف وصلت في بعضها للشتائم ولكنها بقيت في إطار "محتمل" من التعدد الشديد اللهجة.

خروج مظاهرة التنديد بالاعتداءات لم تأت انتصارا منفرداً بل مزدوجاً بتشكيل لجنة تحقيق في أحداث "مجمع المحاكم" ولأول مرة يكون في عضويتها رئيس نقابة المحامين ومدير الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، وتحدد سقفاً زمنياً وإصرار على نشر النتائج كاملة.

ورغم التشكيك في قدرتها ووظيفتها، إلا أن تقريرها الذي نشر كاملاً واتصف بالمهنية والاتزان شكل سابقة أولى- نتمنى أن تتحول لممارسة دائمة-، ولأننا "لُدغنا" من قبل بلجان تحقيق وتوصيات تبخرت، سجلت حكومة رام الله انتصارها الثاني، بإصدار تعليمات تنفيذ التوصيات الواردة- على الأقل تلك التي تقع تحت سلطة رئيس الوزراء-.

ورغم بعض الملاحظات التي سجلناها وغيرنا على التقرير، مثل مجاملته للمستوى السياسي بتجاهل مسؤوليته عما ترتكبه الأجهزة- وتحديداً مسؤولية وزير الداخلية-، إلا أنه شكل سابقة لم نشهدها في السنوات العشر الأخيرة من عمر الانقسام الفلسطيني. وأمام هذه السابقة صمتت أقلام حماس في القطاع!

وجاء آذار مختلفاً أيضاً في القطاع الذي كان يتابع ما يحدث في الضفة، ليستيقظ على واقعة اغتيال القائد في حركة حماس "الشهيد مازن الفقهاء"، حالة الغضب والحزن وحدت المختلفين، وتجند الصحفيون من كل الاتجاهات للكتابة عنه والمطالبة بالكشف عن قتلته والاقتصاص من العملاء. استشهاد الفقهاء رص الصفوف، ليذكر المنقسمين أن العدو الأول والأخير هو الاحتلال، ولكن هذه الرسالة لم تصل جيداً لقيادة حماس ولا لمؤسساتها الحاكمة في القطاع، ليتم اعلان حالة استنفار غير مسبوقة، تشبه حالة الطوارئ التي تعلنها الحكومات على إثر انقلاب مثلاً- وقد يكون اغتيال الفقيه أخطر من انقلاب!

تسلحت حماس بحساسية قضية الاغتيال ورفضها من كل فئات الشعب، لتمعن في إجراءاتها ليس فقط عبر الاعتقالات والحواجز داخل القطاع، بل تعليمات منع السفر عبر حاجز "ايرز"، ولاحقاً عبر قرار النائب العام الحمساوي بمنع النشر في قضية الفقهاء- تحديدا فيما يتعلق باجراءات التحقيق حول اغتياله-، وهو اجراء صحيح والالتزام به واجب النفاذ على الصحافيين الذين يقعون تحت ولايته.
السقطة الأولى في هذا القرار كانت تكليف المكتب الإعلامي- عملياً هو وزارة الاعلام في القطاع- برصد المخالفين من الصحافيين والنشطاء وتقديم قائمة بأسمائهم للنائب العام، وهذا يدل بوضوح أن النائب العام لا يدرك وظيفة المكتب الإعلامي ولا صلاحياته.
والسقطة الثانية، كانت أن المكتب الإعلامي قبِل بهذا التكليف – الخارج عن صلاحياته- ولم يعتذر بأن هذه مهمة أجهزة الشرطة!
المكتب الإعلامي بغزة هو وزارة الإعلام التي تحددت مهامها عبر قانون المطبوعات والنشر 1995، و قرار مجلس الوزراء لسنة 2004 المتعلق بالتنظيم الهيكلي والوظيفي، ورغم أن المنشور على صفحة المكتب الإعلامي- الوزارة-، يتحدث عن مهامها في تنظيم العمل الإعلامي بدون رقابة مسبقة أو لاحقة، إلا أن الأداء على الأرض يخالف تماماً ما ورد على الصفحة.

واضح أن هناك حاجة لفتح حوار جاد- بدون محاكمة مسبقة للنوايا- لإعادة تعريف دور المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فهذه ليست السابقة الأولى التي يتعامل فيها كرقيب على الإعلام لصالح النيابة العامة، وقد تكون حساسية قضية الاغتيال دافع كاف، ليقف المكتب الإعلامي مع نفسه ويعيد النظر في دوره، فلسنا هنا في إطار محاكمات لن تقودنا إلا لمزيد من التعنت والتحسس، فالأصل في جردة الحساب هذه أن تؤصل للدفاع عن الحريات والصحافيين في ظل ضعف/واضعاف نقابة الصحافيين في القطاع.

الصمت عن الانتهاكات- بحجة الاجندات، والحساسيات الأمنية- جريمة، وتسجيل النقاط بين الضفة والقطاع في ظل انقسام يتأصل ويتمأسس لا يخدم أحد، كان صحفياً أو مواطناً عادياً.  نسجل الانتهاكات لكيلا تتكرر، ولا تُبرر، وليس نكأ لجروح وخيبات الوطن.

هي دعوة مرة أخرى لإعادة بناء نقابة صحافيين تضم كل الصحافيين/ات على اختلاف مشاربهم، قادرة على الدفاع عن الصحافيين/ات والتصدي لكل محاولات اخراسهم/ن، وهي دعوة للأجهزة الحاكمة في الضفة والقطاع، بأن الصحفي/ة هو/هي عين الوطن وقلمه، فلا تقلعوا عينه ولا تكسروه، تخويفاً وتطويعاً .. فهذا الوطن لنا!

*رئيسة تحرير شبكة نوى

*مديرة مؤسسة فلسطينيات

 

كاريكاتـــــير