كتبت - وفاء عبد الرحمن :
الراتب هو سيد الموقف في المؤتمر السابع لحركة فتح- هذا ملخص قراءة الأسماء المشاركة في عضوية المؤتمر والباقي تفاصيل!
الآن أفهم لماذا تأخذ حركة حماس قطاع غزة (مليوني فلسطيني) رهينة لرواتب خمسة وأربعين ألفاً من موظفيها وترفض أي حلول قبل تأمين هذه الرواتب، وأفهم بالمقابل إصرار الرئيس لترحيل هذه الأزمة لقيادة قادمة- حكومة جديدة وانتخابات-، فمن أين سيغطي رواتبهم في ظل الجيش المحسوب على حركة فتح ويتقاضى راتبه من ذات خزينة السلطة!
لماذا هذا النقد الشديد لآلية اختيار أعضاء المؤتمر؟ ما المشكلة في الانتماء لحركة فتح وتقاضي راتب من خزينة السلطة "وزارة المالية"؟ هل سيؤثر الراتب على مخرجات مؤتمر الحركة؟
بدء، بمراجعة أسماء أعضاء المؤتمر، أجزم باطمئنان أن عدد من لا يتقاضون رواتب من خزينة السلطة لا يتجاوز 2% من كامل الأعضاء، حتى "كوتة" رجال الأعمال- والتي يفترض أنها تدعم خزينة السلطة ولا تتلقى راتب منها، هي مرتبطة بشكل أو بآخر بهذه الخزينة، وعليه تصبح الأسئلة مشروعة، وتفتح الباب لأسئلة أكثر، مثلاً سؤال التمثيل:
ردت اللجنة التحضيرية للمؤتمر على كل المعترضين والممتعضين على الأسماء أنه مؤتمر تمثيلي وليس مؤتمراً شعبيا لكل المنتسبين لحركة فتح، وهكذا يجب أن يكون- ولكنهم لم يجيبوا لماذا يغيب منتخبين من القواعد الفتحاوية- أعضاء أقاليم- عن قوائم المؤتمر، ولماذا يغيب أعضاء من المجلس التشريعي خاضوا انتخابات ضارية في دوائر بقوائم رسمية للحركة؟ وكيف تم اختيار الكفاءات- ما هي معايير الكفاءة والتي على أساسها تم اعتبار هؤلاء ممثلين للكفاءات الفتحاوية؟ وما هي معايير تمثيل رجال الأعمال؟ فهم ليسو حتى منتخبين من هيئات رجال الأعمال المتعددة في الوطن؟
ماذا عن تمثيل الخارج؟ وكم نسبته؟ (حسب القوائم المنشورة- الأقاليم في الخارج مثلت أقل من 10%)، هل انحصرت فتح في الضفة تحديداً لتأخذ أغلبية المقاعد في المؤتمر؟ أم أن الموظفين المستفيدين من الوضع القائم يقيمون في الضفة؟ وعليه يصبح مشروعاً لماذا هذا العدد من العسكر على حساب المنتخبين والأقاليم الخارجية؟
إذن ما المشكلة في الراتب؟
المثل الصيني يقول "حين تضع يدك في جيب أحدهم، ستتحرك متى تحرك" وأمثال كثيرة تتحدث أن صاحب المال هو صاحب القرار، إذن فخزينة السلطة هي التي ستقرر من يكون ومن يغادر.
مشكلة الراتب من الخزينة تقول بوضوح أن آمال وأهداف الفلسطيني قد تقزمت لراتب، ومنصب يحدد قيمة هذا الراتب، ولم يخطئ من صنف الأعضاء في القائمة المنشورة كالسفراء والمحافظين وأعضاء التشريعي كعاملين في السلطة، ولكن جانبه الصواب في اخراج الكفاءات والمنظمات الشعبية منها- جميعهم يتقاضون رواتبهم ويحصلون امتيازاتهم من ذات الصندوق، والمتحكم في هذا الصندوق هو من يقرر مستقبل متلقي المال منه، وهو من قرر عضوياتهم من عدمها، وهو من اخترع تصنيفات جديدة للعضوية لا علاقة لها بالنظام الداخلي للحركة، وأضاف عليهم موظفين لم تكن لهم في كل مسيرتهم النضالية أي علاقة بالحركة (أكيد هم مناضلون ولا أحد يوزع شهادات النضال، أما الانتساب للحركة فله شهادات وشهود وهذا شيء آخر)
ما علاقة الراتب بمخرجات المؤتمر؟
كيف سيناقش كل هؤلاء المرتبطين بالرواتب من خزينة السلطة برنامجاً سياسياً عليه أن يناقش تطوير وظائف السلطة (وليس بالضرورة حلها) في مواجهة خطة ليبرمان ونتنياهو التي قد تؤدي لانهيار السلطة بشكلها الحالي؟
كيف سيناقش هؤلاء التنسيق الأمني ومواجهته، وقد يطال رواتبهم وامتيازاتهم؟ كيف سيناقشون العقيدة الأمنية الحالية وكيفية تحويل مسارها؟ كيف سيناقشون المقاومة العملية وليسموها الذكية، دون أن تبقى "المقاومة المسلحة" مجرد شعار في أدبيات المؤتمر؟ كيف سيناقشون تطوير وتوسيع حركة المقاطعة؟
كيف سيخرجون عن مسار من يدفع لهم الراتب" مفاوضات ثم مفاوضات ثم مفاوضات"؟
كيف سيناقشون المصالحة مع حركة حماس، والوحدة الوطنية عبر الإطار الجامع- منظمة التحرير- والاجابة على السؤال الأزلي في علاقة المنظمة بالسلطة؟ وعلاقة فتح بالجسمين (فتح التنظيم التحرري)؟ بالذات سؤال المصادر وتوزيعها، فالمصالحة مع حماس تعني إعادة فتح الهيكليات لموظفي السلطة في القطاع، واضافة فصائل تتلقى مخصصاتها من صندوق مالي عليه أن يتكيف مع الحالة الجديدة!
وما دخلك أنت؟
ما يحدث في مؤتمر حركة فتح يخصني ويمسني في أكثر من جانب- رغم أنني لست فتحاوية-
أولاً: ما يحدث في فتح هو مرآة فاقعة للنظام السياسي الفلسطيني، ومسألة التمثيل تتجاوز تمثيل المؤتمر السابع لأنها تؤشر للمنهج الذي سيتم اتباعه في حال الدعوة لانعقاد المجلس الوطني – الذي يخصنا جميعاً وليس حكراً على حركة فتح-!
ثانياً: عدم التزام قيادة أكبر تنظيم فلسطيني بنظامه الداخلي، هو استمرار لنهج الاستقواء على القواعد الناظمة لمنظمة التحرير وللسلطة الفلسطينية التي تقودهما قيادة هذا التنظيم.
ثالثاً: حين يكتشف الفلسطيني أن ثلث السفراء وغالبية المحافظين، وتقريبا كل قيادات الأجهزة الأمنية هم من حركة واحدة، ثم يحدثونه عن شراكة في القرار وشراكة في الحكم، فعليه أن يصدق!
رابعاً: حين تتمحور كل القضية الفلسطينية حول الراتب ومصادر الدخل- كما حدث لهذا المقال-، فالمركب لن يغرق بفتح وحدها، وإنما بالكل الفلسطيني.
أخيراً، لا يمكن لأي عاقل أن يعترض على عملية ديمقراطية لتجديد الشرعيات وضخ الدماء – ليس عبر تجديد الشخوص فحسب، وانما تجديد برنامج وقواعد عمل- لحركة يعتبرها الكثيرون عمود الخيمة الفلسطينية، ولأنها كذلك، فمن حق "غير الفتحاوي" قبل الفتحاوي أن يسأل ليطمئن أن هذا العمود مثبت على أرض صلبة في ظل الزلازل التي يصنعها الاحتلال من جهة واهتزازات الإقليم والعالم من جهة أخرى.
*رئيس تحرير شبكة نوى
*مدير فلسطينيات